كلمة الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك

2018-08-20 20:00:43

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وكل عام وأنتم بخير (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وإن بيت الله الحرام لتهفو إليه القلوب المؤمنة المفعمة بالتقوى والإحسان على اختلاف أجناسها وألوانها موحدة وملبية لذلك النداء الخالد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . والحج رحلة قلوب لا رحلة أجساد، ورحلة أرواح لا رحلة أشباح مصداقا لما جاء في الكتاب العزيز: (..فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لعلهم يشكرون) وهو الملتقى الإسلامي الذي يجمع الأمة الإسلامية على صعيد واحد وقلب واحد، وقد قدر لحجاج سوريا هذا العام أيضاً أن يحرموا من أداء فريضة الحج لهذا العام بقرار سياسي مجحف من الوهابية السعوديه ، وإننا إذ نشارك شعبنا الألم الذي اعتصر النفوس التواقة إلى زيارة بيت الله الحرام نذكر هؤلاء الوهابيين الذين
منعوا شعبنا من أداء فريضة الحج بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إن شعبنا الذي ينبض قلبه بحب الوطن وقدسية أداء فريضة الحج يبقى شامخا مرفوع الهامة قادرا على تجاوز المحن والقضاء على كل مؤامرة تحاك ضد بلاده وأمنه واستقراره، وضد كل من يريد أن يتجرأ على النيل من تعلقه بوطنه وإيمانه بعقيدته الروحية. وإن الذين عزموا على تأدية فريضة الحج هذا العام ولم تتحقق لديهم الاستطاعة من جراء هذا المنع الوهابي، قد تقربوا إلى الله بالعبادة والذكر في العشر الأوائل من ذي الحجة، وبأعمال الخير ورعاية أسر الشهداء وهي أيام مباركة صيام يوم واحد فيها يعدل صيام سنة، ومن سبح وحمد وكبر وهلل في هذه الأيام تقرب إلى الله بفؤاده وجوارحه وطاف مع الطائفين وسجد مع الساجدين في بيت الله الحرام، ووقف مع الواقفين في عرفات، وأدى فريضة الحج بقلبه وروحه إلى جــانب إخوة
له في العروبة والإسلام الذين لهجوا بالدعاء أن يحفظ الله بلاد الشام من كل سوء وأن تزول الغمة التي لحقت بها، وأن تستعيد أمتنا مقدساتها المسلوبة في فلسطين المحتلة. في عرفات الله وفي مثل هذه الليلة وقف نبينا (ص) خطيباً في الأمة والأجيال يضع المبادئ العامة للإسلام وحقوق الإنسان ويلقي على البشرية درساً قد صمت عنه الآذان في هذه الأيام فتح فيه مجاميل العقل والفكر بنور الإسلام والقرآن وأرسى فيه قواعد الحب والخير والعدل والإنصاف لكل بني الإنسان مخاطباً الناس جميعاً بمختلف أجناسهم وألوانهم وانتماءاتهم ليكون إعلاناً لكل الأزمان فقال: أيها الناس إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . فيا سيد البشر ويا من لأجلك نطق الحجر وسجد الشجر وعبد الله والبشر. يا خطيب عرفات نناجيك اليوم وقد حرفوا دينك وبدلوه وغيروه. • فقد أردته يا رسولنا بأمرالله ديناً حنيفاً وأرادوه ديناً عنيفاً.
1- أرادوه ديناً للقتل والإجرام وإهدار النفس البشرية وانتهاك حرمة الدماء وأراده بأمر الله ديناً يصون النفس البشرية ويعلي قدرها ويسمو بمنزلتها إذ قال جل شأنه: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)). 2- أرادوه ديناً للقسوة والفظاظة تقطع فيه الرؤوس بلا رحمة وتقتلع الأكباد بلا شفقة وتغلي الأحقاد فيه بلا هوادة، وأراده بأمرالله ديناً للرحمة والشفقة والرفق واللين والتجاوز عن المذنبين والمسيئين، فيما رسولكم (ص) يسير في طرقات المدينة إذ رأى امرأة ترضع أولاداً لها وهي تخبز على التنور فكلما اقترب ابنها من النار أبعدته عنها، فقال (ص) ( أكنتم تظنون هذه طارحة ولدها في النار) فقالوا لا يا رسول الله، فقال (ص): الله أرحم بعباده من هذه بولدها. 3- أرادوه دين الإجبار والإكراه وسلب حريات الناس بينما جعله الله الدين الذي أرسى حرية الاعتقاد وحمى حقوق العباد: ( لا إكراه في الدين...) ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
4- أرادوه ديناً لا يعترف بالمخالفة ولا يحترم رأياً ومعتقداً يهدم الكنائس ويكسر الصلبان ويدمر الآثار ويخرب وجه الحضارة، بينما كان نبيه(ص) يعلم أصحابه وهو جالس بينهم فمرت جنازة لغير مسلم فوقف احتراماً لها فقالوا يا رسول الله (إنه ليس مسلما) فقال (ص): سبحان الله أوليس نفساً. 5- أرادوه ديناً يهين المرأة ويجعل من بيتها قبراً لها ومن جسدها سلعة تنتهك تارة باسم السبي وأخرى بأسماء أخرى، فمنعوها من قيادة السيارة وأغلقوا في وجهها أبواب الحياة العامة، أما الله سبحانه فقد أكرم المرأة وضرب مثلاً للمؤمنين عبر التاريخ كله بامرأتين جعلهما قدوة ومثالاً يحتذى لكل الرجال والنساء : ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ....... ومريم بنت عمران)) وكان في تاريخه قامات عظيمة هزت الدنيا علماً وعملاً تقىً وزهداً، تضحيةً وفداء كخديجة وفاطمة، وعائشة، وأم سلمة، وأسماء وزينب رضي الله عنهم جميعاً. 6- أرادوه ديناً لا يعرف إلا الخراب والموت، يتشح بالسواد وينشر الرعب والخوف أينما حل، بينما أراده الله ديناً يملأ الدنيا أنساً وأماناً ورحمة إيماناً ينعم بها كل شيء من الحيوان والنبات
فقال (ص): ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). 7- أرادوه دين الكره والبغضاء دين الحقد والشحناء لا يطوي على حب ولا يعرف الود أما نبيه (ص) فقد أطلقها مجلجلةً تكذّب ادعاءهم وتفضح زيفهم وإرهابهم وتطرفهم ( والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). 8- أرادوه ديناً خالياً من أي إحساس بعيداً عن أي شفقة ومواساة ففي عهد فتنتهم التكفيرية جاع الناس وفي أيام خلافتهم المدعية المنكوبة هجّر الناس، فما ترى إلا جائعاً أو عرياناً أو مكلوماً أو مظلوماً وهم يسرقون خيرات البلاد ويبيعون نفطها ويأكلون ثمنه سحتاً وحراماً، أما الله وأما رسوله فقد نفى الإيمان عمن شبع وجاره جائع: (ما أمن بي ساعةً من نهار من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم). 9- أرادوه ديناً للذل والعار ومد اليد للعدو الصهيوني والأجنبي فرأينا أعلامهم كيف تتعانق مع علم الكيان الصهيوني، يوجهون السلاح إلى صدور أبناء الوطن ويديرون ظهورهم للعدو، يتحالفون مع قوى البغي
والاستكبار وينصبون حقدهم لمشروع المقاومة والانتصار،فمتى كانت الخيانة والتآمر ديناً أم متى كان الخضوع والهوان إسلاماً 10- وقرآننا يطلقها مدوية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. أرادوه ديناً يهجر الناس أوطانهم وبيوتهم تحت وطأة إرهابهم ليصبحوا متسولين على أبواب الغرب ودين فتح قلوب الغرب والشرق ليقم العدل والخير والإحسان وعلمنا إن يا بني عش عزيزاً أو مت كريماً (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) أيها الأخوة الأحباب إن عيد الأضحى المبارك الذي يتوج مناسك الحج هو عيد يرمز إلى التضحية والصبر والفداء ويوحي بالصمود والإيمان كما صبر أبو الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي واجه الابتلاء بإيمان وعزم قهر بهما الشيطان وهو بدلالاته العظيمة يعمق فينا الإيمان الصادق بتقديم الغالي والنفيس في سبيل عز الوطن وكرامة الأمة ويعمق أيضاً الالتزام الصادق في ترجمة ذلك الإيمان حباً للأوطان وتعظيماً وتكريماً للشهداء وأسرهم وجرحانا وآلامهم فمن تضحياتهم العظيمة ولد الانتصار الذي نقف اليوم على أعتابه متطلعين لإعادة الإعمار والبناء بإذن الله تعالى. أيها السادة: هكذا تعود إلى هذه البلاد المباركة مواسم الخير والطاعة والعبادة متزامنةً مع مواسم الانتصارات المتتالية المستحقة للجيش العربي السوري على كل أشكال البغي والعدوان والإرهاب الممَنهج الذي يستهدف مقدَّرات البلاد، وأفكار العباد في حرب مستمرة لم نشهد مثلها في التاريخ، فيؤكد أبناء هذا الوطن أنهم أكبر من كل تآمر وأعظم من كل تحالف يمكن أن ينال من وطنيَّتهم وانتماءهم لأرض هذا الوطن وفكره المستنير طوال الزمن. إنَّه عيد الأضحى المبارك المتزامن مع التَّضحيات الجِسَام التي يقدِّمها أبناء الوطن ثمناً لعزَّة وقدسيَّة ترابه الطاهر الذي عجزت قوى البغي مجتمعة بعد ثماني سنوات من أن تثني من عزيمة ووفاء وصدق أبناء سورية الشُّرفاء في مسيرة الدفاع عن أرضهم وكرامتهم وفكرهم ومكانة سورية بين الأمم. فرحة العيد الحقيقية تأتي على وقع عودة محافَظَتَي القنيطرة ودرعا إلى مكانهما الطبيعي الآمن ضمن ربوع الوطن بعد دحر قوى الظلام والقتل والعدوان، وفي الحقيقة هي الهزيمة الكبرى لداعميهم ومناصريهم ومشغليهم من أعراب الخليج التكفيريين ومن ورائهم القوى العالمية الأمريكية والصهيونية المجرمة. إن تحكُّم آل مملكة سعود الوهابية المتهالكة بأرض الحرمين الشريفين وهي أرض مباركة للمسلمين كافة وحرمانهم للشعب السوري من أداء فريضة الحج منذ بداية الحرب على سورية يعدُّ أكبر دليل على ظلمهم وطغيانهم، وإن الله تعالى لمحاسِبهم على ما يفعلون وما يمكرون. ونحن اذ ننظر اليوم في سوريا الى اسباب النصر فإن من اسباب النصر بعد تضحيات الشهداء وبسالة جيشنا العربي السوري الباسل إنه قائد الأمة السيد الرئيس بشار الأسد حفظه الله الذي عرفناه يحني رأسه لتقبله عجوز ملأت الدموع عينيها ولسان حالها كما لسان حال كل السوريين يريد أن يقول لسيادته سلّم الله هذا الرأس الشامخ لم ينحني إلا لله وبين أبناء الشهداء والجرحى وذويهم الذين صنعوا مجد الانتصار . هو القائد الذي وقف بكل عزة وشموخ وكبرياء متحدياً زعماء العالم المتآمرين على سورية، هو ذاته يقف متواضعاً مع الصغير والكبير والبسيط من أبناء شعبه يبادلهم حباً بحب حماك الله ورعاك وأدامك عزاً وفخراً للوطن. سيادة الرئيس: ترتفع أصوات الناس في أيام العيد بالتلبية والتكبير، وأبناء وطنكم عموماً، والسادة العلماء والقائمين بالشعائر الدينية خصوصاً، ترتفع أصواتهم بالدُّعاء ضارعين إلى ربهم سبحانه وتعالى أن يوفقكم ويرعاكم بعنايته وحفظه، وأنتم تنهضون بالأمة العربية والإسلامية إلى العلا وتقودون شعبكم إلى ذرا المجد، وتنتصرون لحقوق أمتكم ومقدساتها. وكل عام وأنتم وشعبكم وأمتنا العربية والإسلامية بألف خير, والرحمة لشهدائنا الأبرار الذين ارتقوا في علياء الخلود دفاعاً عن الحقوق والمقدسات. (( ولينصُرَنَّ الله من ينصرُه إنَّ الله لقويٌّ عزيز )). الله أكبر شعار المسلمين في العيد. الله أكبر ما أحلاه شعاراً يصاعد من أعماق القلوب فيتجاوب صداه في أجواء الفضاء بالغاً عنان السماء فيردده الملأ الأعلى ملائكياً خالداً فتصغي إليه عوالم الكون كله من قمةِ العرش إلى أخمص الثرى خاشعةً طروباً تهلل الله أكبر. الله ذو العظمة والجلال والكبرياء . أكبر وكل ما سواه فهو ذليل محتاج أصغر . الله أكبر واشوقاه على قلوب هناك تهتف لبيك ليتني معهم ألبيك أشعث أغبر. الله أكبر تنطلق من قلوبنا مخلصة مدوية لا يزاحمها شيئ في هذا العالم الأصغر. الله أكبر الله أكبر حين تهلل الأصوات من الميقات . الله أكبر حين تزدحم الجماعات في المطاف وفي المسعى وعند الجمرات وفي منى عرفات. الله أكبر حين يشرق جبل النور بالأنوار وحين يفيض جبل الرحمة بالرحمات. الله أكبر حين النداء وحين الفداء وحين يتصل أهل الأرض ببارئ السماء وكل عام وانتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.