كلمة الوزير السيد للقناة الفضائية السورية

2015-11-27 23:36:54

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة الأحباب:
حين يقبل شهر رمضان تنفتح له القلوب وتهش الأرواح وتبش النفوس ويطوف بالمسلمين طائفٌ من الأملِ الكبيرِ الأمل في إصلاح النفس وتغيير الحال والعودة إلى الله مغيرِ الأحوال من حالٍ إلى حال، بهذا الأمل وهذا الحب نستقبل اليوم رمضان لأننا نجد في رحابه انفسنا وفي أيامه وليليه رشدنا، فأيامُهُ صيامٌ ولياليه مناجاةٌ وقيام، والصيام والقيام هما معراج المؤمن إلى الله العليم العلام، فرمضان رحلةٌ إلهية ميقاتها الشهر كله يستلهم فيها المسلمون كل معاني الخير ويتدربون على أنماطٍ من السلوك، سلوكِ الفرد مع نفسه: فهو صابر وأمينٌ ومراقبٌ لله سبحانه، يجوع والطعام أمام عينيه ويظمأ والماء يترقرق بين يديه فيتعفف عن ذلك وسواه برضى واختيار ومن هنا ندرك السر في قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
وسلوك الفرد مع غيره: حيث ينطلقُ الصائمُ من نطاقه المحدود إلى رحابٍ أوسعَ فهو يحس بأنه لا يصوم وحده وإنما هناك الملايين من المسلمين في كل مكان يصومون معه إنهم جميعاً على هذه العبادة فهم يمتنعون عن الطعام والشراب في وقتٍ واحد وتغيب الشمس فتلقاهم جميعاً شاربين طاعمين حامدين شاكرين، لقد توحدوا في عبادتهم وبذلك تتوحد كلمتهم وتتوحد أهدافهم ومساعيهم فيتعاونون في الشدائد ويتنادون في المحن ويكونون قوةً ترد المعتدين وتثأر للمظلومين من الظالمين فيكون رمضان بذلك كله خير فرصة مواتية للمسلمين لإصلاح القلوب ومداواة العيوب وغفران الذنوب وتوحيد الدروب وتفريج الكروب والانتصار على كل الخطوب.
إنه وافدٌ من عالم الحق يحمل بين يديه الدواء لكل داء والعافية من كل بلاء، ونحن السوريين إذ نستقبل هذا الوافد الكريم فإن الواجب يحتم علينا أن نجرد النفس ونترك الهوى وننبذ الخلاف ونكون يداً واحدةً ولباً واحداً ونعود إلى الله تجمعُنا كلمتُه وتظللنا رايته ليكون لنا من أيام بدرٍ وأحد وحنينٍ والخندق وحرب تشرين في رمضان عظةٌ وعبرةٌ ونحن نواجه المجرمين والإرهابيين والقتلة من الوهابيين والصهيونيين.
أيها الأخوة الأحباب:
إن سنة الله في كونه أن يَهَبَ كُلَّ أمةٍ من النجاح بقدر ما تبذل من عمل وتضحيات ويحقق لها من آمالها بقدر ما تقدم من سعيٍ، تتحرك الأمة أولاً وتتضافر جهود أبنائها في همة لا تعرف الضعف وعزيمةٍ لا تعرف اللين، فإذا قدمت ما عليها من أسباب بين يدي آمالها ترتب على ذلك ما لها من مسببات وهي تأييدُ الله لها بإنجاح أهدافها ومقاصدها فالله لا يغير حالاً بأمةٍ ما لم تفكر الأمة نفسها في ذلك التغيير وتعمل جاهدةً رجاء الوصول إليه فإذا انتظرت التغيير من دون عملٍ وتضحية فهي أمةٌ واهمةٌ يُؤذِنُ وجودُها بالزول يقول الحق سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم)).
وهكذا يربط الإسلام بين الأسباب ونتائجها ربطاً قوياً لا يدع ثغرةً وإن صغرت للتواكل العقيم أو الأماني المخدوعة.
وهذا ما دعا إليه الرئيس بشار الأسد حيث طلب من الأمة العمل على تغيير واقعها بقوله:
(نحن ندعو لقراءة الواقع بوضوح وبدقة ومن ثم تغييرِ الواقع).
أيها الأحباب:
وقد تدرك أمةٌ ما مقدار حاجتها إلى هذا التغيير وتكمن مشكلتها في فقد المنهج الذي يهيئ لها ممارسةَ ذلكَ التغيير فتقبعُ مكانَها ولا تتقدمُ خطوةً واحدة نحو الهدف المنشود لأن الخروج عما هو مألوفٌ ومتأصلٌ في الطبع شاقٌ بعيد المنال ما لم تصحبه همةٌ عالية ومنهجٌ حكيمٌ رشيد.
ومن هنا تبرز بوضوح القيمةُ العمليةُ للصومِ المفروض في رمضانَ المعظم باعتباره المنهج الرشيد الذي يغذي في سلوك المؤمنين إرادةَ التغير لأنه يغير كثيراً مما اعتاد عليه المسلمون في بقية أشهر السنة ولكن حتى يكون التغيير في رمضان منهجاً لتغيير حال الأمة لا بد لنا أولاً من تغيير طريقةِ فهمِنا للصوم، فقد أرادَ اللهُ رمضان للقلب والروح فجعلناه للبطن والمعدة، أراده الله للحلم والصبر فجعلناه للغضب والبطش ، أراده الله للسكينة والوقار فجعلناه للسباب والشجار، أراده الله للشجاعة والجهاد فجعلناه للاستكانة والاستسلام، أراده الله لنغير من صفات أنفسنا فما غيرنا فيه إلا مواعيد أكلنا، أراده الله تهذيباً للغني الطاعم ومواساةً للبائس المحروم فجعلناه معرضاً لفنون الأطعمة والأشربة تزداد فيه تخمة الغني بقدر ما تزداد حسرة الفقير، إن رسالة الصوم هي رسالة الإسلام، هي رسالة المساجد لبناء الساجد.
وحين ننظر في رمضان إلى المسجد الذي تعلقت أرواحنا به وبختم القرآن والتهجد والتراويح والصلاة فيه، حين ننظر إلى رسالة المسجد رسالة الخير والحب والرحمة كما قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ).
إن المنابر التي اعتلاها بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وجعفر الصادق ومالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي.
المنابر التي اعتلاها الجنيد وابن عربي والنووي وصولاً إلى البوطي، لن يؤثر في صدى كلماتها ظرف طارئ أو يدنس قدسيتها الجولاني أو البغدادي أو خوارجي مارق.
وهذه المنابر هي التي بنت أمجاداً وعزاً وحضارة للعرب والمسلمين فمن على عيدانها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب اللهم بلغت اللهم فاشهد)) ((الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)).
من على عيدانها قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه: لا تقتلوا صبياً ولا امرأةً ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرةً إلا لمأكله.
من على عيدانها أعطى عمر رضي الله عنه العهدة العمرية :( (أعطاهم أماناً لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص من خيرهما ولا من صلبانهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم)).
من على عيدانها قال عثمان رضي الله عنه لا والله لا أحب أن تراق قطرة دم واحدة يسأل عنها عثمان يوم القيامة.
من على عيدانها قال علي كرم الله وجهه: من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسلوكه قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.
فلن يأتي اليوم وهابي وأردوغاني وقوقازي وشيشاني ليهزوا انتماءنا وعقيدتنا وقدسية حجارة مساجدنا ومنابرنا حتى يقول قائلنا:
مررت بالمسجد المحزون أسأله
هل في المصلى أو المحراب إسلام وإيمان.
تغير المسجد المحزون واختلفت
على المنابر قوقاز وشيشان.
فلا الآذان آذانٌ في منارته
إذا تعالى ولا الآذان آذان
فو الله ما هذا هو إسلامنا ولا ديننا ولا حضارتنا فالمسجد والدين والإسلام بريء منهم ومن كل أفعالهم وجرائمهم فما أحوجنا اليوم إليك يا رمضان.
ومهما سموا عصاباتهم بجيش المهاجرين والأنصار أو جيش الفتح أو جيش الإسلام أو الخلافة الإسلامية أو جبهة النصرة فهذا البريق لهذه التسميات لن يخطف إلا أبصارهم ولن يزلزل أركان عقيدتنا، قاتلهم الله أنّى يؤفكون صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.
أيها الأخوة الأحباب:
ما أن فرض الصيام على المسلمين وتهيأوا لشهرٍ من العبادة والتفرغ لقيام الليل في المساجد فإذا بهم يجدون عملياً ربطاً قوياً بين الصيام والجهاد بين الدين والحياة فيدعوهم المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى غزوة الفرقان في أوائل رمضان – بدر الكبرى التي كانت منطلقاً لكل انتصارات الحق والخير على الظلم والظلام والإرهاب على يد أولئك الرجال العظام.
لقد غير رمضان أولئك الرجال الذين كانوا رعاة للإبل والشاة فصاغ منهم أبطالاً تغنت بأمجادهم الأراضي والسموات.
بنى رجالاً كانت قلوبهم بالإيمان عامرة ونفوسهم على الطاعة وعن المعاصي صابرة.
وكانت عيونهم في ذكر الله وحماية الأوطان ساهرة، كانت صدورهم من أدران الحقد والعدوان والبغضاء طاهرة، كانت أرواحهم للبذل في سبيل الله والوطن حاضرة.
فما أحوجنا إليك اليوم يا رمضان وقد انتهكت الحرمات ودنست المقدسات وقد أحرقت مواضع السجدات وقد قتلت الأطفال والشيوخ والنساء لتغير حالنا وتبدد دياجي ظلامنا ولترفع راية الجهاد الحقيقي فوق ربا ديارنا على يد جيشنا وأبطالنا لتحرير أرضنا ومساجدنا من رجس الإرهاب والتكفير أذناب الصهاينة وعملائهم.
أعدنا يا رمضان كما كنا صفاً واحداً ورأياً واحداً وعرضاً واحداً وهدفاً واحداً فنكون أمةً واحدة تستطيع أن تحافظ على كرامتها ووجودها ومقدساتها، إن دم الشهداء من الأطفال يناديك يا رمضان.
إن دموع الأمهات الثكلى تناديك يا رمضان فأعد إلينا بيارق النصر وذكرى البطولات في بدرٍ الكبرى إلى حرب تشرين.
إن مساجدنا وكل موضع سجدة على حرماتها المباركة تستغيث بك يا رمضان.
أن أطلق أرواح أمتنا من عقالها، أن بث روح الجهاد في عروق أمتنا النازفة، أن هيئ لنا من أمرنا رشداً ومن محنتنا مخرجاً ومن همنا فرجاً.
أيها الأخوة:
إن الجهاد في شريعتنا ليس لإشباع هوىً فاسد أو لاسترضاء عصبة عمياء ليس الجهاد قتلاً وتكفيراً وإرهاباً، ليس الجهاد لفرض الدين والإكراه فلا إكراه في الدين، ليس الجهاد لإجبار الناس على الانقياد فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وإنما هو سلاحٌ من أسلحة الحق وقوةٌ من قوى الخير فلا جهاد إلا لنصرة حق أو لدعوة خير.
ونحن إذ نطلقها اليوم من رمضان شهر بدر وقدرٍ وعطاءٍ ونصر صيحةً جبارة منا خالداً في إقدامه وصلاح الدين في نزاله فليتمثل كل منا الفاروق في عدله علياً إحسانه وعلمه وثلاثيَّ الشهادة والاستبسال زيداً وجعفر وعبد الله بن رواحة في عنفوانه ونحن نرفع صوتنا صوت الحق والحرية، نرفع الصوت الذي طالما تردد بجرأة وقوة في طيات تاريخ أمتنا من أجل العيش بشرف وكرامة وحرية.
أبطال جيشنا العربي السوري: أنتم جند الله في الأرض وحماة الإسلام من التكفير ودعاة إلى العزة والفخر سيروا على بركة الله حتى تردد أصداء السماء الله أكبر لنا الله أكبر منهم ومن تكفيرهم وإرهابهم.
تحية إلى أرواح الشهداء، تحية إلى كل مجاهد ومصاب ومفقود ومخطوف سائلين الله تعالى في رمضان أن يبارك في كل نبضة قلب وحركة فكر وجهد وانطلاقة سلاح وقطرة دم نزفت من بواسلنا وفي كل دمعة أم تلألأت في محيا سورية وفي كل يد مواسيةٍ تمسح عن وجه سورية آثار الحرب والعدوان لتعيد إليه إشراقه بنصر لا بد أن يتحقق في معركة العزة لدحر الإرهاب والتكفير ومن ورائهم.
وبمناسبة حلول شهر الخيرات والبركات يشرفني أن أتقدم باسمي وباسم السادة العلماء والعالمات والداعيات والعاملين في وزارة الأوقاف ومؤسساتها الدينية والدعوية والإرشادية من سيادة الرئيس بشار الأسد بأسمى آيات التبريك مقرونة بالوفاء والولاء لقيادته الحكيمة مجددين عهد علماء بلاد الشام برفضهم لتزييف صحيح الدين من خلال إصدارهم وثيقة تطوير الخطاب الديني التي اعتبروها ميثاق الشرف الديني والتي جاءت استكمالاً لمشروعي فقه الأزمة وفضيلة وتطوير مناهج التعليم الشرعي والتي ندعو لإظهار الإسلام الحقيقي الوسطي البعيد عن التشويه والفكر الخوارجي وما نتج عنه من تكفير وغلو وتشدد وتطرف ليكون هذا الميثاق منار هداية لكل من ضل الطريق وانحرف عن جادة الصواب وليكون هذا الميثاق خطوة جادة في تطوير الخطاب الديني وضرورة ملحة لمواجهة المشروع التكفيري الظلامي ولأي فهم غير صحيح ينافي نصوص الإسلام ومقاصده وانسانيته ولا يمس الأصول والثوابت الشرعية أو القيم الأخلاقية الراسخة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته