وزير الأوقاف في حوار خاص مع "البعث"
الهجرة إحدى حلقات مسلسل استنزاف سورية فكرياً وعقائدياً
باتت هجرة الشباب إلى أوروبا من أخطر المشكلات التي تواجه سورية في هذه المرحلة من الحرب الكونية التي تشنّ ضدها، حيث يحاول الغرب الاستعماري الذي استخدم التنظيمات التكفيرية لإجبار المواطنين على الخروج من منازلهم واللجوء القسري إلى مخيمات أُعدت مسبقاً في تركيا، تفريغ سورية من شبابها وخاصة أصحاب الكفاءات عبر السماح لهم بهجرة غير شرعية إلى دول أوروبا، وقد استخدم الغرب هذا النوع من الهجرة حتى لا يقدّم لهؤلاء الحقوق التي يتمتع بها المهاجر الشرعي. حول موضوع الهجرة غير الشرعية وموقف الدين منها التقت “البعث” د. محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف وكان الحوار التالي:
تهجير للسوريين وليس هجرة
*كيف تنظر وزارة الأوقاف إلى موضوع الهجرة غير الشرعية من الناحية الاجتماعية بمنظورها الديني، وما هو دور القنوات الدينية الوطنية كنور الشام والمعاهد الدينية في هذه المرحلة الحساسة فيما يخص موضوع الهجرة ؟.
**أولاً دعيني أصحح المصطلح، فما يجري في هذه المرحلة هو تهجير للسوريين وليس هجرة وهو نتيجة مخطط صهيوأمريكي ومؤامرة كبرى على سورية بدأت بالحرب الإرهابية التكفيرية التي نتعرض لها واستخدمت فيها كل الوسائل بهدف إسقاط سورية، وعندما فشلوا بدؤوا بمرحلة جديدة ليوحوا للرأي العام العالمي بأنهم يحمون الشعوب، فيما الحقيقة وما أثبتته الوقائع هم يريدون ابتداع ذريعة جديدة للضغط على سورية من جهة وإفراغ الوطن من شبابه من جهة أخرى، بعدما استخدموا إرهاب التنظيمات التكفيرية لإجبار الأهالي إلى ترك منازلهم وقراهم.. فكيف كانت سورية قبل المؤامرة وهل هاجر أحد منها ؟ هذا سؤال نطرحه على كل الناس .
وإن وزارة الأوقاف هي الجهة الرسمية التي تُعنى بالشؤون الدينية، وأهم ما يعنيها ضبط الخطاب الديني، وتوجيهه ليحقق أهداف ومقاصد الرسالة الإسلامية، وهي إسعاد البشر، وتلبية مصالحهم وتحقيق الحياة الطيبة لهم في الدنيا، ونجاتهم في الدار الآخرة، تحقيقاً لقول الله تعالى: ( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينَّه حياة طيبة ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل 97 وقول الله تعالى ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) البقرة 201.
ولذلك كلما ظهرت أفكار خاطئة في الشارع وسيطرت على المجتمع، أو انتشرت ظاهرة لها تأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمع تقوم وزارة الأوقاف باجتماع طارئ لعدد من كبار العلماء لدراسة تلك الأفكار، ومناقشتها، واقتراح أفضل السُّبل لمواجهتها كما فعلت منذ بداية المؤامرة من خلال فضح الفكر التكفيري بفقه الأزمة وبيان مكانة شهداء الجيش العربي السوري الباسل من خلال الآيات والأحاديث في كتاب يا شهيد يا منصو، وبعد ذلك المساهمة في معالجة أزمة الأخلاق من خلال مشروع فضيلة وبعدها وضعت ميثاق الشرف الديني من خلال تصحيح المفاهيم التي بثّها الإرهابيون بغطاء ديني وكذلك عملت وأنجزت المشروع الوطني الرائد لتطوير التعليم الشرعي، ولفت إلى أن موضوع التهجير كان إحدى هذه الموضوعات التي تمّت معالجتها بهذه الطريقة من خلال توجيه الخطباء على منابر المساجد، والدعاة والداعيات في دروسهم العامة، إضافة إلى برامج وندوات على قناة نور الشام الفضائية تهدف إلى تنبيه المجتمع إلى خطورة هذه المؤامرة، وأهدافها الكبرى التي قد تكون خافية على عموم الناس، وغير ذلك مما يتعلق بالحكم الشرعي ممثّل هذا الموضوع الخطير.
ممارسة مجتمعية
*كيف تؤثر الهجرة على من اتخذ من بلاد الغرب ملاذاً له، أليس هناك خوف على المسلم في تلك البلاد من أن يبتعد عن دينه؟.
هذه الهجرة لها مخاطر كبيرة جداً، وآثارها السلبية متعدّدة ولعل من أهمها الجانب الديني؛ فإنه من المعلوم أن الدين ليس مجرّد قناعات فكرية مجرّدة يعتقدها الإنسان، وإنما هو ممارسة مجتمعية يعيشها في حياته اليومية، وللقيم التي يؤمن بها المجتمع أثرها الكبير في تثبيت الأفراد، وتشكيل قناعاتهم الدينية وسلوكهم المنسجم مع هذه القناعات. ومن سافر إلى أوروبا يعلم الخواء الروحي، وغياب الرؤى الدينية من تلك المجتمعات سواء في ذلك ما يتعلق بالإسلام أو المسيحية، ولذلك نرى أن الإلحاد والمثلية، والزنا، والإيدز، والانتحار انتشر في تلك البلاد بنسب عالية جداً ولا يمكن أن يُقال بأن الإنسان يستطيع أن يحافظ على دينه عقيدة وسلوكاً في هذا البحر الهائج من الفتن في تلك البلاد وخاصة بالنسبة للشباب الذين يعيشون أخطر مرحلة في حياتهم ، أو بالنسبة للأطفال الذين لا بدّ أن يندمجوا في تلك المجتمعات من حيث السلوك والاعتقاد وإلّا فإنهم سيعانون انفصاماً في الشخصية واضطراباً في السلوك.
*برأيكم ألن يكون هناك شرخ ديني في المجتمع والأسرة السورية جرّاء تلك الهجرة على اعتبار الهجرة ببدايتها تكون للأب، وماذا عن الآثار الأخلاقية هل هناك مثل هذه الآثار أيضاً؟.
**الأسرة السورية عانت الكثير جرّاء هذا الاضطراب وهذه الفتن التي تعيشها البلاد اليوم، وهذه الحرب التي نعيشها ثمّ تأتي الفاجعة من خلال الحصار الظالم على سورية وكوارث إنسانية بسبب عدد الشهداء الكبير ونحن نسمع يومياً عن حالات الأسر التي تبيع كل ما تملك لتؤمن نفقات هجرة أحد أبنائها، أو الابن الشاب الذي يسافر ويترك والده ووالدته من ذوي الأعمار الكبيرة دون معيل ودون مساعد أو الوالد الذي يهاجر ويترك زوجته وأولاده للمجهول هذه الحالات وأمثالها ستعود على المجتمع بكوارث لا يمكن تحمّلها.
استنزاف لمقومات القوة
*برأيكم ما هو الهدف من استقطاب كل أولئك المهجرين وإخراجهم من سورية؟.
**الهدف من ذلك واضح فهذه إحدى حلقات مسلسل المؤامرة الكبرى على المنطقة لاستنزاف كل مقومات القوة فيها فكرياً وعقائدياً، وعسكرياً، واقتصادياً وبشرياً، إضافة إلى اختطاف الطاقات البشرية والكوادر المنتجة التي يمكن أن تساهم في المستقبل في إعادة إعمار سورية فأوروبا ترحب بهجرة الشباب، وأصحاب الكفاءات والقدرات، والمهنيين، وهؤلاء كلهم ثروات حقيقية تفقدها سورية اليوم للأسف.
*ما هو دور وزارة الأوقاف اليوم لكبح جماح هذه الظاهرة وما هي رسالتها الدينية؟.
**وزارة الأوقاف، والعلماء هم جزء من منطومة حكومية، ومجتمعية كاملة يجب أن تُستنفر لمعالجة هذه المشكلة، لا يكفي أن يكون حل المشكلة عن طريق الخطاب الديني الذي تنبّه لهذه المشكلة مبكراً، وكان رائداً في التحذير منها ومن آثارها، هذا وحده لا يكفي لمعالجة جذور المشكلة، وإنما تملك الكلمة التي تنشر من خلالها الوعي، وتوقظ الفكر، وتبيّن المخاطر.
تكامل الأدوار
*كيف يمكن أن تواجهوا قنواتهم الدينية التي تستغل الوضع الراهن للعزف على وتر الهجرة، وهل سيكون لنور الشام دور فاعل يمكن التعويل عليه؟.
**قناة نور الشام جزء من الإعلام الوطني الذي يقوم بدوره، وربما تمتاز قناة نور الشام بقدرتها على التأثير بشكل أكبر من خلال الشخصيات الدينية التي تخرج على شاشتها والتي تتمتع بمصداقية ووعي ديني ووطني، ولكن يجب أن نؤكد مرّة أخرى على التكامل في الأدوار، فالإعلام له دوره الكبير والخطاب الديني في المساجد، والمعاهد، والثانويات الشرعية قدّم الكثير في سبيل صيانة القيم الدينية الحقيقية، وترسيخ القيم الوطنية الأصيلة، ودرء الفتن عن أبناء المجتمع، وسيبقى يمارس دوره. ونحن بحاجة إلى استكمال ذلك بخطوات وقوانين اقتصادية واجتماعية أخرى حتى نستطيع قطف ثمرة كل هذه الأعمال ولنحقق على أرض الواقع توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، في تسخير كل ما يمكن من الإمكانيات لإعانة المواطن على الصمود في وطنه في وجه هذه المؤامرة الكبرى. ولتكون الجهود المبذولة مقاربة للتضحيات الكبرى التي يبذلها أبطال الجيش العربي السوري على أرض المعركة، التي يخوضها على كل شبر من سورية الحبيبة لحماية الوطن والمواطنين من رجس الإرهابيين والتكفيريين.
تم الحوار يوم الإثنين 21-9-2015م
- المشاهدات: 6